• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الطريق إلى جهنم...

د. غنيمة حبيب كرم

الطريق إلى جهنم...

على مدار العقود الماضية أوضحت العديد من الأبحاث أن العنف والتطرف خلل ومرض دماغي في الأساس، وهذا ما أكدته مؤخراً الباحثة الدكتورة كاثرين تايلور أستاذة علم الأعصاب في جامعة اكسفورد في نتائج أبحاثها، أن التطرف والعنف يأتي نتيجة خلل دماغي، سرعان ما يمتد ليؤثر على الصحة النفسية للفرد، ويتأثر بالعديد من العوامل المحيطة كعدم الاحتواء، والإهمال وعدم الاهتمام  وعدم التقدير، سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة أو المجتمع ككل، وهو ما يمكن أن نرى فيه البذرة الأولى للتطرف والإرهاب.

فهذه البذرة يتم رعايتها من خلال عوامل أخرى، حتى تنبت وتنتشر وتصبح مرضاً اجتماعياً خطيراً يهدد الأرواح والمجتمعات، فالعدو دائماً ما يعمل على استغلال نقاط الضعف، حتى يوجه الضربات المؤلمة والموجعة، ومن هنا يبدأ في استغلال تلك النقاط في المجتمع، وأهمها المتعلقة بجهل البعض _ خاصة فئة الشباب منهم _ بالنصوص والتعاليم الدينية الصحيحة، أو بغيرها من الأمور الحساسة والخطيرة، فالتعصب في الدين قد يعمي القلوب، ويدفعها لارتكاب الجرائم وممارسة الإرهاب.

ولكن يجب أن نتوقف أولاً للسؤال: هل كل ما يصنفه الغرب كإرهاب أو منظمة إرهابية يعد إرهاباً؟!، أعتقد أن الإجابة لا، فليس كل ما يقوله لنا الغرب صحيحاً؛ بل على العكس فالكثير من المنظمات الإرهابية خرجت من رحم الغرب وتحت رعايته، وبعلمه وتربيته ودعمه الكامل، ثم مرت الأيام وتحولت عليه، وليس هناك أدل من تجربة تنظيم القاعدة، الذي انقلب فيه السحر على الساحر، لذلك فليس كل ما يطلق عليه الغرب إرهاباً نجزم ونصدق أنه إرهابي، لذلك فأنا أود التوقف والاختلاف مع مفاهيم التطرف والتعصب والإرهاب، فالدفاع عن الأرض والعرض والأهل ليس ارهاباً ولا يمكن أن يصنف كإرهاب، بل إنه دفاع مستحق عن الأرض، فليس من المرؤة أن يترك الإنسان أرضه وعرضه للانتهاك حتى لا يتم وصفه بالإرهابي ، لذلك فإنني أرى أن هناك نوعان من التعصب، التعصب المحمود الذي يدعم الحب والانتماء والولاء الى الوطن والى الأرض، دون كراهية وتقليل من شأن الآخر، أما التعصب المذموم فهو الذي يفضي الى الكراهية والتمييز العرقي، ومحاولة فرض الوجود على حساب الآخرين، وهو ما أرفضه وأراه شكلاً من أشكال النازية والصهيونية والإبادة الجماعية للأبرياء، وهو ما يمكن إدراجه بالفعل تحت مسمى الإرهاب والتطرف.

أما عن الخطوات الفعلية لإنتاج القنابل العنقودية الإرهابية، فتقوم على تلقى هؤلاء الشباب الذين أخذت الكراهية والحرمان والظروف الصعبة أحلى ما فيهم من محبة وبراءة، فأصبحت قلوبهم جامدة متحجرة، ومن ثم تتلقفهم الايادي الآثمة والصانعة للإرهاب وتشملهم بكل أنواع المحبة والرعاية والإشباع المالي والجنسي، وتعويضهم عن كل ما حرموا منه، والأهم هو أن يتم ذلك من خلال استغلال تعصب هؤلاء الشباب لدينهم، وجهلهم بالمعاني الحقيقية للدين، ومن هنا يسلم هؤلاء الشباب عقولهم، ويقوموا بتنفيذ كل ما يطلب منهم دون تفكير، من منطلق القيام بعمل جليل وهو خدمة الدين، ومن منطلق الرغبة في الانتقام من الأعداء والدفاع عن الحق ونصرته، فهم يقتلون الأبرياء وفي اعتقادهم أن هذا ما سيوصلهم الى نعيم الآخرة، وهو ما يذكرني بالحكمة القائلة "الطريق الى جهنم ملئ بالنوايا الحسنة"، فالكثير من هؤلاء الشباب يظنون أنهم يفعلون الخير، وينصرون الحق، وهم في الوقت ذاته أكبر الأدوات الهدامة التي تدمر البشرية وتغتال الإنسانية.

هذه هي الوصفة المختصرة لتكوين القنابل الإرهابية البشرية؛ لكن الأمر يحتوي على العديد من النقاط والتفاصيل المحورية، التي لا تكفيها سلسلة من المقالات، ولا يحتويها الجهد الفردي الشخصي، وإنما تحتاج الى جهود مؤسسية متكاملة ومتناسقة وعلى مختلف المستويات الاجتماعية والأسرية والاقتصادية والسياسية، والأهم هو التطبيق والتحرك الفعلي، فالناس ملّت من كثرة الكلام، وتحتاج الى خطوات فعلية تستطيع تطبيقها للخروج من المشكلة، لأن العالم بالفعل في مأزق حقيقي يحتاج الى العمل الشامل على كافة المستويات، ومن هنا تكون بارقة الأمل فمواجهة التطرف والإرهاب كما هو أمرٌ صعب، هو أمرٌ سهل في الوقت ذاته، إذا بدأنا من خلال الدوائر الاجتماعية المصغرة التي تتمثل في الأسرة ومروراً  بالمدرسة، من خلال العمل على مواجهة الجذور الحقيقة للمشكلة، ونشر الحب والتسامح في قلوب أبنائنا، ولذلك فالخطوة الأولى للمواجهة تتمثل في نشر بذور المحبة في بيوتنا، لتشرق زهور السلام على العالم.

ارسال التعليق

Top